الحياة الإجتماعية في منطقة عين مديونة



أولا في شرحي للوضعية الاجتماعية في عين مديونة فالوضعية لا تقتصر فقط على هذه المنطقة فقط بل تشمل جل مناطق إقليم تاونات. و لتقريب القارئ مما تعيشه المنطقة فيما يتعلق بالجانب الإجتماعي أود أن أتطرق إلى مجموعة من العوامل التي تشرح الوضعية الاجتماعية في المنطقة :
*النمو الديموغرافي في المنطقة
*الدخل الفردي
*متوسط العمر
*الإجرام
*نسبة الأمية
*نسبة البطالة
*دور المرأة *
*معاملات و أخلاق الناس في منطقة عين مديونة
*الزواج
* الأسرة
*معدل النمو الاقتصادي


* المرأة العين مديونية الصنهاجية :

تعتبر المرأة عنصر فعال في المجتمع , لما لها من أدوار أساسية  في تربية الأجيال حسب ثقافة المجتمع التي تعيش فيه, والمرأة العين مديونية لها خصوصية و مبادئ ثقافية إسلامية  تلتزم بها بالإضافة الى العادات و التقاليد محلية موروثة عبر التاريخ , في هذا الموضوع سأحاول بمشيئة الله أن أصف مجموعة من المميزات و الخصائص التي تمتاز بها المرأة العين مديونية على الوجه الخصوص و  المرأة الصنهاجية عامة, عبر فترتين, فترة ما قبل الاستقلال و فترة ما بعد الاستقلال. 

الفترة ما قبل الاستقلال: 

قبل البدء في التفاصيل أود أن أصف بعض الاشياء المتعلقة بمحيط عيش ساكنة عين مديونة قبل الاستقلال:
نبدأ أولا بوصف شكل المنازل و التي  كانت أغلبها أو جلها مبني بالطين و أغلب هذه المنازل الطينية تحتوي على بيتين أو ثلاثة بيوت, أحدهما  مخصص للنوم و والأخر مخصص للضيوف في حين تجد المطبخ داخل أحد هذه البيوت يتم  طهي وجبات في مكان مخصص لذلك يسمى ' الكانون' و بيت أخر إضافي للماشية يسمى 'الكوري'  ويتوسط هذه البيوت فضاء للاسترخاء (عندما يكون الجو ساخنا)  يسمى  'الدوكانة' وتتموقع هذه الاخرة غالبا في وسط الدار أو 'المرح' أو خارج الدار ونجد كذلك ضمن تصميم بعض هذه المنازل جزء أخر يسمى 'لاسقيف' أو 'أعريش' أو 'نباح' يكون عبارة بناية بسقف بدون أسوارأمامية  تمدد فضاء وسط الدار,   
بيوت هذه المنازل تكون غالبا مسقفة بالبرومي أو بالصخور مستويةو مسطحة , لديها نوافذ صغيرة جيدا تعرف بـ (الطاءة)  حجمها لا يتعد نصف متر أما الأبواب كذلك كانت هي الاخرى صغيرة بحيث لاتتعدى طولها متر و نصف. 
 نجد كذلك في بعض الأحيان منازل مبنية على شكل طابق مكون من 'الداموس' و فوقه 'الغرفة' للضيوف. 
فيما يتعلق بالأواني المنزلية كلها أو أغلبها كانت مصنوعة بالفخار. الطاقة المستعملة للطهي كانت هي النار الطبيعية أو 'العافية' لم يكون هناك لا قنينات غاز و لا كهرباء.
للإضاءة في الليل كان الناس الفقراء يستعملون القنديل و الفتاشة *... الاغنياء كانوا يستعملون الكربون*...
مداخيل اليومية للساكنة كانت غالبا ما تعتمد على الفلاحة و الجني الموسمي و تربية الماشية و بحكم الطبيعة الجبلية كان الكثير من آهل المنطقة يربون الماعز.
نوع الأفرشة المتداولة هي الحصير من الدوم والبطانيات المصنوعة من الصوف وما يعرف بالتليس، كان يستورد من المناطق الريفية، وفي المساء وعند النوم، كان أفراد العائلة ينامون في بيت واحد ويتغطون بفراش واحد. 

كانت المرأة العين مديونية تعيش حالة من المعاناة و التهميش نظرا للظروف الاقتصادية و الاجتماعية و عدم الاستقرار السياسي أنداك, و بحكم التضاريس الجبلية الصعبة لمعظم دواوير في منطقة عين مديونة , زاد هذا من معاناة المرأة العين المديونية التي كانت تستيقظ في الصباح الباكر و تبدأ في المشاغل و المعاناة اليومية من تنظيف المنزل و حلب الماعز أو النعجات لتحضير قهوة الفطور مع الخبز المسمن بزيت الزيتون أو خرينكو أو خبز الشعير والسفنج... و لتحضير هذه الوجبات تذهب المرأة الى خارج البيت للبحث عن الحطب 'بشكل' بجوار منزلها و تقوم بإشعال النار في مكان مخصص لذلك يسمى 'الكانون' وهو عبار عن نصاصب مكونة من ثلاثة أحجار تضاع فوقها 'المسخر' من الفخار على شكل دائري, وبعد وجبة الافطار تبدأ المرحلة الثانية من العمل و المثابرة لتنظيف المنزل و تحضير وجبة الغذاء الذي تبدأ بطحن القمح أو الشعير بواسطة 'رحى حجرية اليدوية' و غربلة الطحن و عجنه في 'الكسعة' مصنوعة بالفخار باستعمال الخميرة البلدية و الملح وتفريق هذه العجينة على شكل كويرات صغيرة على 'الميدونة' مصنوعة من نبات الدوم ثم تضع 'كحات' هذه العجينة بشكل دائري على 'الوصلة' مصنوعة من الخشب, و في انتظار خمر هذه الكحات تبحث المرأة عن 'الفرنة' (الفرنة في منطقة صنهاجة كانت تبنى بالطين و بقايا الفخار المكسر أو 'شقوفة' ثم 'الفريش' أو حجرة كبيرة مسطحة لأرضية الفرنة و تحتوي 'الفرنة' على ثلاث فتحات, الاولى يدخل منها الخبر و الثانية يخرج منها الرماد و الثالثة تكون في السقف يخرج منها الدخان و يستعملون أربع أدوات عند طبخ الخبز في 'الفرنة' وهما الرماية لحمل الخبر و 'الجباد' و 'الحراك' لتحريك النار و 'الشطابة' لتنظيف أرضية 'الفرنة' من الرماد و في بعض الاحيان تلتجئ الى 'الكانون' لطبخ الخبر, و عندما تنتهي من الفرنة ترجع المرأة الى المنزل من أجل تحضير الاكل, من بين الوجبات المشهورة في المنطقة هي وجبة 'البيصرة' التي تحضر بالفول أو بالجلبانة بحيث يتم تبرية الفول بواسطة 'رحى حجرية يدوية' ووضع الفول المبرى في 'الكدرة' ثم وضع 'الكدرة على 'الكانون' و عندما يطهى الفول يتم خلطه بواسطة 'البوشلاط' و هو عبارة عن أعواد شجر الزيتون متعدد الاقران, مع تكليف احدى البنات لمخض الحليب في ما يعرف بافكير للحصول على اللبن والسمن البلدي ، والذي يستغرق وقتا طويلا.
بالإضافة إلى كل هذا فإن دور المرأة لم يقتصر فقط على البيت, بل في خارج البيت كذلك بحيث كانت تشتغل في الحقول الزراعية ومنهم من كانت تذهب الى السوق... في فترة ما قبل الاستقلال النساء اللواتي يذهبن الى سوق الأربعاء عين مديونة أغلبهم نساء مسنات أو أرامل, كانت النساء يرتدين غطاء أبيض عليهن يشبه الى 'ليزار'. وتحزم بما يعرف بالكورزية وبالإضافة الى هذا فإنها كانت تقوم بمجموعة من الاعمال أخرى متعددة و متنوعة و برغم من ذلك فإن المرأة كانت محرومة من أبسط حقوقها حتّى من ميراثها الشرعي في بعض الاحيان، بل كانت كالمال تعطى مقابل قصاص للآخرين وفي هذا الجو المفعم بإهدار حقوقها فإن بعض الاشخاص نسوا قول الله تعالى في محكم آياته : ( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدان وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساء نَصيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدان وَالأَقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُر نَصِيباً مَفْرُوضاً) الآية من سورة النساء . 
قال كذلك في الآية الكريمة (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) سورة النساء:176.
أين هو الحق الذي يعطيه الأخ لأخته في تقسيم التركة ، ألا تعلموا أن في منطقة عين مديونة إذا رجعنا الي مائة سنة الى الوراء أن المرأة كانت منسية في جميع الحقوق و استمرت على ذلك الحال الى حدود الاستقلال. نظراً للعامل السوسيوثقافي الذي يتمثل في طفو العنصر الذكوري و إقصاء الدور الأنثوي تماماً هذا فيه نوع من الأنانية و المسألة ليست متعلق بالدين و إنما هي مسألة تقاليد و عادات و مثل هذه التقاليد جعلت من الأمة العربية و الاسلامية تعيش فترة طويلة من الانحطاط خلال العصور الوسطى الى حدود عصر النهضة العربية. 
الجهل الذي كان يطغى على أغلب الناس جعل من المرأة أن تكون ضحية مهضومة الحقوق بجانب أخيها الرجل فأصبحت عرضة لمجموعة من الشبهات و الكليشيات و النمطيات من كل جانب داخل المجتمع . بحيث إذا تشاجر شخصين بينهما تأخد الام  الحصة الكبرى من السب بين المتخاصمين , و أنسبوا اليها السبب في شيطانة التي تقع بين الافراد و الجماعات المتخاصمة, وكان بعض الرجال  يلقبها ب'الدار' أو ب'دراري', و كل هذا من اجل انكار شخصيتها  أمام الناس. 

سأصيف كذلك بعض الادوار التي كانت تقوم بها الجدات, كانت الجدة بمثابة مثال يقتدى به في الحكمة و التجربة بحث كانت تتكلف بحكى الحجيات الخرافات (من بين أهم الخرافات التي كانت تحكها لأحفادها خلال الليل تدور حول شخصية حديدان الحرامي و عمتي الغولة...), وكانت كذلك تلعب دور ممرضة للعائلة بحيث كانت تتكلف بتقبيل الحامل و قطع صرة المولود, و في ذلك العهد كان التداوي يتم غالب باستعمال الاعشاب الطبية في علاج بعض الامراض التي كانت منتشرة أنداك مثل الخيابة و بوحمرون و مرض السل الذي كان من بين الأمراض الفتاكة أنداك و أمراض اخرى... , و هناك عملية علاجية أخرى كانت جد منتشرة في المنطقة مثل عملية الحجامة و الكي و التعزيم ضد بعض الامراض مثل بوصفير و بوزلوم و الطيرة و العين ... و الجدة كانت غالبا هي صاحبة هذه التجارب لمواجهة بعض الامراض التي تصيب العائلة . 

الفترة ما بعد الاستقلال:

قبل البدء في التفاصيل أود أن أصف بعض الاشياء المتعلقة بالمحيط عيش ساكنة عين مديونة بعد الاستقلال:
 في المرحلة الاولى بعد  الاستقلال, حال المنازل الطينية لم يتغير منها سوى حجم النوافذ و الابواب أصبح أكبر أما السقوف أصبح الناس يستعملون الميكا و الزنك عوض البرومي و الصخور و تم إضافة المراحيض في تصميم الدار , وتعممت بناية 'الداموس' و الغرفة لضيوف عند أغلب الناس في المنطقة بالنسبة للفقراء, أما الاغنياء يبنون منازلهم بالاسمنت بشكل عصري كما هو الحال الان . 
فيما يتعلق بالأواني المنزلية, بالإضافة الى الاواني المصنوعة بالفخار, ظهرت أواني بلاستيك و الزجاجية و الخزفية... 
الطاقة المستعملة لطهي, بالإضافة الى النار الطبيعية أو 'العافية' ظهر الغاز و قنينات غاز و الكهرباء خلال نهاية الثمانينات في عين مديونة.
للإضاءة في الليل الناس كانوا يستعملون 'لامبا' و الفتيلة بالغاز و في التسعينيات من القرن الماضي أغلب الناس يستعملون الطاقة الكهرباء في عين مديونة .
مداخيل اليومية لساكنة بالإضافة الى الفلاحة و الجني الموسمي و تربية الماشية ظهرت التجارة في الاسواق كعنصر مهم في تقدم اقتصاد المنطقة. 

أما وضعية المرأة في منطقة عين مديونة  بعد الاستقلال تغيرت شيئا ما مقارنة بالفترة ما قبلها و ذلك بفضل مجموعة من العوامل أهمها انفتاح قبائل عين مديونة على ثقافة المدينة و بالخصوص مدينة فاس التي تبعد عن ,عين مديونة بحوالي ثمانين كيلومتر, وذلك بفضل تطور وسائل النقل و الانتقال الناس بين فاس و عين مديونة حول عادات و تقاليد بعض النساء فأصبح بعضهن في عين مديونة يقتدين من نساء مدينة فاس و ذلك بأخد بعض تقاليد اللباس مثل الجلباب و اللثام و أصبحت المرأة تهتم ببعض الصناعات التقليدية كغزل الصوف و الطرز بالصقلي على وجهات الشرابل 'باليشفة' و الابرة بإستعمال ألة خشبية صغيرة تسمى 'الطبلة' و الخياطة و الكروشي لصناعة الملابس الصوفية ... 
بالإضافة الى كل هذا كانت المرأة العين مديونية تقوم بأشغال و أتعاب البيت اليومية و تربية الاطفال . اذا حال المرأة العين مديونية لا يقل شأنا عن أختها في جل مناطق القروية في المغرب ، فدورها كان و لايزال ينحصر في البيت و ما يدور حوله ، أغلب نساء عين مديونة يقمن باكرا ويحضرن الفطور الى أزواجهن لكي يذهبا الى العمل و بعد ذلك تحضير الفطور للأطفال لكي يذهبا الى المدرسة و بعدها تقوم بتنظيف المنزل و غسل الملابس و خبز العجينة و بحث عن الحطب و من تم بحث عن 'فرنة' القريبة منها, بحيث نجد في بعض الدواوير أن لهم 'فرنة' واحدة يشترك فيها كل الجيران. 
أما المرأة التى تربي الأطفال فكانت تحمل حملين حمل شقاء البيت و حمل الاعتناء بصغارها فتحمل صغيرها على ظهرها بواسطة قطعة من الثوب و تبدآ في مواجهة أتعاب الحياة اليومية بشتى أنواعها. 
أما حالة بعض الرجال؛ عندما يأتي الرجل من السوق يجد كل شئ على ما يرام فيأكل ثم يذهب مسرعا الى الفيلاج  أو البرارك يقضي معظم أوقاته في المقهى يلعب البلوط ثم يعود متأخراً يأكل ثم ينام و ينتظر الفجر ليأخذ الطريق مرة أخرى الى السوق و هكذا تتوالى الأيام ، الأطفال لا يحسون بوجود مراقبة او عناية الأب لهم ، الزوجة لا ترى زوجها إلا عندما يشتق إليها، و تربية الأجيال تتوالى بهذه الطريقة عند أغلب العائلات في عين مديونة. 

و في الختام أود أن اشير الى أن دور التي تلعبه المرأة في تقدم المجتمعات برهن عليه تاريخ البشرية خلال قرون و عهود مضت, و بين كيف أن المرأة تملك كفاءة عالية في تغيير المجتمعات ، إذ كنت ترى في المرأة على أنها عار فيما تملك من صفات أنثوية فإنها تملك قدرات فكرية كأخيها الرجل أو تتعداه أحيانا و المثال على ذلك يوجد في هذا العالم نساء تسيرن دولا و منظمات كبرى و نساء في مراتب عالية في مختلف المجالات . كل هذا يجعلنا نثق في كفاءة المرأة التي تنتج ليس فقط الأطفال بل كذلك يمكنها أن تنتج حلول لعدة مشاكل التي تواجه المجتمع  . إذ كنا نكتفي بتخزين الانثى في البيت فإننا لا نستثمر من كفأتها شيء, هناك العديد من العائلات ينزل عليهم الضباب عندما يعلم بأن هناك مولود أنثى منتظر وهذا من عادات العصر الجاهلي, فالمرأة لم تخلق فقط للبيت وإنما تربية الأولاد هي التي حتمت عليها أن تبقى في البيت  الى جانب أبنائها الصغار ريثما يكبروا . نحن في عصر لايمكن أن نعيش عادات الانسان القديم حيث أن الرجل يخرج الى الصيد و المرأة ترقب الخيمة . أما الآن المرأة و الرجل يوجدان على منحى واحد. و هذا ما لا يقبله الرجل الذي لم يخضع بعد للواقع. في تاريخ الاسلام كما نعلم أن خديجة بنت خويلد رضي الله عليها زوجة الرسول الله صلى الله عليه وسلام كانت تاجرة.
انظر من حولك أيها الرجل الصنهاجي هل تري امرأة تتاجر في بيع الخضر و الفواكه في الاسواق كل هذا بسبب ثقافتنا ناقصة ونظرتنا الوخيمة ينظرون الى المرأة نظرة جنسية و نظرة ضعف . والشعوب لا تتقدم بهذه الأفكار, الدين الاسلامي جاءنا بقيام و أخلاق، المرأة ليست عار و لا ضعيفة ، المرأة قبل كل شئ هي إنسان. و الأب و الأخ هما من يجب عليهم أن يستثمروا في الابنة و الأخت فحبسها في المنزل خوفا عليها من بطش الآخرين فاهي خسارة كبرى لهما و لها. فكم نجد من الذكاترة و محامون و قضاة وغير دلك من المناصب العلية في حوزة النساء. أ تكره أيها الأب أن تكون ابنتك أو اختك طبيبة تحتاجها في فترة مرضك و محامية تدفع عليك. 


>>>>>>>البحث جاري عن تفاصيل هذه المعلومات.....